لا يمكن أن أنسى الموقف العصيب الذي عشته مع عدد من المصلين قبل سنوات عدة، حين تسللت إلينا أبخرة وأدخنة مبيد حشري ونحن نؤدي صلاة الظهر في المسجد، وكانت ستقضي علينا، لولا لطف الله ثم نباهة الإمام الذي أنهى الصلاة سريعا لنخرج بعدها سراعا، وتبين لنا أن مصدره سيارة البلدية التي كانت تجري عمليات الرش في الحي بطريقة عشوائية. تذكرت هذه القصة على الرغم من مرور سنوات عديدة عليها بسبب ما لاحظته مؤخرا مع بعض من زملائي الباحثين أثناء قيامنا بإجراء دراسة على الأعشاب المتطفلة في بعض المزارع بمنطقة حائل، إذ وجدنا أن العمالة غير المدربة هي المتحكمة في تصريف جميع أمورها بدءا باختيار الأصناف المزروعة ومرورا بالاستخدام المفرط والإهدار المؤلم للمياه الجوفية فضلا عن استخدام المبيدات الحشرية والنباتية بشكل عشوائي في كثير من الأحيان، أملا في الحصول على محصول وفير ومربح في أقصر مدة زمنية ممكنة وبأسلوب لا مسؤول في ظل غياب رقابة الضمير والمواطن والمسؤول. وكانت جامعة حائل قد أحسنت صنعا، حين نظمت عبر كرسي الشيخ علي الجميعة رحمه الله لأبحاث الزراعة المستدامة وبالتعاون مع فرع وزارة الزراعة بالمنطقة، ندوة توعوية وورشة عمل للمزارعين حول الاستخدام الآمن للمبيدات، والملفت للنظر أن المتحدث الرئيسي في تلك الندوة -وهو أستاذ متخصص في بقايا المبيدات- أورد شيئا مما رصده شخصيا من تجاوزات مرعبة ومماثلة، لما رصدناه نحن في استخدام المبيدات من قبل العمالة ليس فقط في حائل وإنما في عموم المزارع السعودية ومن ذلك أن معظمهم غير متخصص أو من ذوي الخبرة! لدرجة أنهم يقومون برش المبيدات على المزروعات أضعاف الجرعات المسموح بها! ولا يهتمون حتى بحماية أنفسهم منها بلبس القفازات أو الكمامات الواقية! ولا يترددون في رمي بقايا علب المبيدات بشكل عشوائي في جوانب المزارع بل ربما استخدموها كأوان ليسقوا بها الأغنام والطيور الداجنة التي يربونها في تلك المزارع! وباختصار شديد فإن كثيرا مما نستهلكه من مزارعنا الوطنية التي كنا نحسب أنها في أيد أمينة هي في الواقع منتجات ملوثة بالمبيدات وبدرجة امتياز، وبالتالي لا غرابة من انتشار أنواع السرطانات وأمراض الحساسية التي جعلت الكثير من السعوديين علموا أم جهلوا في عداد شهداء المبيدات! وليتنا نسمع من مسؤولينا في وزارتي الصحة والزراعة ما يؤكد لنا أو ينفي هذا الأمر!
د. أحمد أبو عمرو الغامدي
د. أحمد أبو عمرو الغامدي